صعقت من هول الصدمة ولم أعرف ماذا حل بي أم هي عدالة السماء الصارمة التي لا تنسى بدأت معي بالحساب إذن العاهرة كانت لاتزال مدمنة على الكوكايين رغم أني حذرتها ألاف المرات ورجوتها أن تتركه من أجل طفلنا ولكن هيهات أن تقنع شخصا مدمنا على مسحوق الموت أن يقلع عنه وهو أصبح يجري مجرى الدم في عروقه فقلت لدكتور كيف حال المولود وزوجتي هل هما بخير سألته بقلق فأجابني وهو يبحث عن الكلمات المناسبة ليوصلني الخبر المولود حالته مستقرة حاليا وتنفسه طبيعي ولكن هذا الأمر كله بفضل الوعاء الطبي فابنك داخل أسطوانة طبية توفر له بيئة ملائمة للحياة ثم سكت بعدها برهة كاد معها أن يسكت قلبي عن الخفقان…
وأجاب بعد تردد وسيظل طول حياته مرتبط بهذه الأسطوانة سينمو جسده وعقله وهو داخل هذه الأسطوانة وكلما كبر جسده سنغير من حجم الأسطوانة كدت أن أفقد عقلي وأنا أقول بانهيار هل سيعيش ولدي حياته كلها في هذه الأسطوانة أجابني بخفوت هنا يقف العلم والأمل كله في رحمة الله يمكن أن تحدث معجزة واصل الدكتور كلامه وأنا غائب عن الوعي تماما والحقد الدفين عاد إلى السطح ونقمت على الجنرالات وعلى رجالي وعلى الشعب بأكمله ولن يروي حقدي وغلي هو أن أغرق أبناء الجزائر كلهم في الكوكايين لن أسامح أحد أبدا طالما ولدي الوحيد أصبح ميت وهو حي فل يذوقوا من نفس الكأس ولن أسامح أحدا أبدا ثم قال الدكتور أما زوجتك حورية ما إن وصل الطبيب إلى إسم حورية حتى رجعت إلى وعيي وتحفزت حواسي كلها لسماع كارثة جديدة أما زوجتك حورية فقد بلغت من الإدمان حالة حرجة جدا والمجهود الذي بدلته عند الولادة إستنزف طاقتها بشكل كبير لهذا ستبقى معنا لأيام هي الأخرى ريثما تتحسن حالتها ما هذا الحظ العاثر فبعدما أصبحت أحد البارونات المهيمنين في البلاد وحصلت على الحصانة الديبلوماسية وبدأت أنقش صنمي بجانب السادة الكبار وانفتحت في وجهي كل أقطار العالم أتلقى هذه الضربة القاضية وفي صدري تماما وفي فلذة كبدي بالضبط منذ أن أصبح الوضع على هذا الحال تغير تصرفي تماما أصبحت أشد حدة ودموية وأكثر إنزواء وإنطواء وأدمنت الخمر بشكل رهيب على أمل النسيان وتسكين الجراح والألام…
وحانت لحظة الصفر فالعملية الكبرى على الأبواب جمعت رجالي وإنتقيت منهم أشدهم بأسا وإخلاصا لي وأخذنا معنا ما يلزم الرحلة من عتاد وأسلحة وقصدنا تندوف وكان حينها فصل الصيف قد أوشك على الرحيل فكان الجو معتدلا نسبيا وصلنا إلى المعسكر الذي تنفق عليه وعلى العساكر من مختلف الجنسيات أموال طائلة بلا فائدة ووجدنا باستقبالنا أحد الضباط زمعه كتيبة من جنود جبهة البوليساريو المتمرسين في المداخل والمخارج والطرقات السرية مع الجارة موريتانيا فهذه الدولة الصغيرة الشقيقة كانت هي مكان اللقاء فسألنا الضابط هل سبق لي أو لأحد من رجالي زيارة تندوف أو عبور الحدود إلى موريتانيا أجبته بالنفي تماما فأنا ورجالي لا نعرف في الجزائر إلا وهران الحبيبة والمدن السياحية في البلاد بعد ما أنعم علينا الله وبدأنا نتعامل بالأورو وماذا سنفعل بمكان مقفر كهذا إلا إذا كنا سنجني من ورائه الأموال فأهلا وسهلا بجهنم تندوف كنت أنا من سيسلم الأموال للعميل الموريتاني وهو رجل دولة سامي لم يكفه الأجر الشهري الذي تعطيه الدولة فقرر أن ينضم لهذه المافيا العالمية ويكسب هو الأخر ثروة سهلة المنال كانت بحوزتي عشرة ملايين أورو كاملة كنت أضعها في حقيبة الظهر مع تشديد الحراسة التامة علي وعلى النقود…
كانت موريتانيا ولازالت عبارة عن صحراء كبيرة جدا مقارنة مع نسمة قليلة وشعب معظمه يعيش الفقر أو تحته لهذا إزدهرت تجارة الكوكايين في موريتانيا ليست كسوق وإنما كبلد عبور وهل يترك عسكر الجزائر هذه الفرصة تمر من دون أن تكون لهم قضمة من هذه الكعكة العالمية عبرنا الحدود التي يحفظها جنود جبهة البوليساريو عن ظهر قلب في الليل رغم أن معظم الحدود تظل بلا حراسة وبلا رقيب إلا أن عدد رجالي ورجال الضابط الذين جلبهم معه من معسكر البوليساريو بدعوى أنهم يجيدون القتال والفر والكر وأيضا هم خبراء بالطرق السرية التي تكون بعيدة عن المراقبة جعل تواجدهم معنا حتمي وهذا العدد من العساكر يمكن أن يلفت الإنتباه ونحن في غنى عن أي شوشرة تحركنا بعربات الجيب إلى غرب صحراء موريتانيا وبالضبط إلى أحد المطارات السرية في الصحراء فعدم وجود الناس ولا حراس الحدود في هذه المنطقة جعل منها محطة عالمية لتسليم وإستلام دون أي رقيب أو أي مضايقة أمنية وكنا قد حملنا معنا كميات هائلة من وقود الطائرة سنضيفه للوقود المتواجد في المطار السري فداك الوقود هو طريقة ضمان رجوع الطائرات الأتية من قارة أمريكا البعيدة إختبئنا بسيارتنا منتظرين قدوم الطائرة الكولومبية على حسب الموعد وقبل بزوغ الفجر بقليل سمعنا أزيز محرك طائرة تحوم فوق رأسنا تعامل معها رجال البوليساريو بشكل إحترافي وأرشدوها بإشارة متفق عليها إلى أن حطت الطائرة بسلام في المطار الصغير…
كنت قد بدأت أجيد اللغة الإسبانية فاتجهت إلى العميل الكولومبي تأكدت من وجود البضاعة وسلمته المبلغ المتفق عليه وضعت الكوكايين في العربات بصعوبة فقد كانت الكمية أكبر من طن من المسحوق الأبيض ورجعنا بالسيارات إلى الحدود الجزائرية الموريتانية وكان الجو مازال مظلما إلا أننا لم نستخدم أضواء السيارات إكتفينا بتعليمات رجال البوليساريو الذين يحفظون طريق عن ظهر قلب كأنهم ثعالب ترعرعوا فيها وصلنا إلى تندوف في الظهيرة ووجدنا طائرة عسكرية بانتظارنا حملنا البضاعة على متنها فورا وأخذ رجالي مواقعهم في الطائرة وإتجهنا مباشرة صوب مطار وهران العسكري لضمان السرية التامة وتقسيم الغنيمة الدسمة لم نشعر بالمسافة مع هذه الطائرة النفاثة ذات الصنع الروسي فوصلنا إلى المطار العسكري ومازالت رمال الصحراء عالقة بأحذيتنا وجدت الجنرال احمد طالح بنفسه في استقبالنا وهو مبتسم بوصول غنيمته بسلام فقال لي بلا مقدمات ستون بالمائة من هذه البضاعة ستشحن إلى أروبا مباشرة من الميناء هذه الليلة والأربعين بالمائة من هذه البضاعة سنقسمها فيما بيننا نحن وإخوتنا في شمال إفريقيا قلت له مستغربا ولكن الأروبيون يدفعون أكثر لم لا نجعل كل البضاعة لهم؟ أجابني بمكر أجل معك حق هم يدفعون ثمنا باهضا مقابل هذا المسحوق ولكن حتى شعوب دول العالم الثالث تحتاج لتمتع دماغها ولترفه عن أنفسها وتغرق في أفيون الكوكايين وتنسى مشاكلها وتنسانا معها نظرت إليه نظرة حقد وأنا أقول وعقلي شارد وأنا ما المطلوب مني يا سيدي الأن أنت سوف تذهب مع الشاحنات إلى ميناء وهران ستبحر مع البضاعة إلى مارسيليا هذه الليلة أجابني وهو يتأمل الرجال وهم ينقلون البضاعة من الطائرة إلى شاحنات سألت نفسي قبل أن أسأل الجنرال طالح ولم أجد حلا فقلت له سيدي كيف سنهرب هذه الكمية الكبيرة إلى مارسيليا نظر إلي وابتسم إبتسامة غامضة وهو يقول ستعلم في الوقت المناسب لا تستعجل فثمر بسكرة يأكل على مهل…يتبع